Horus

مفاهيم سياسية: العلمانية

مفاهيم سياسية: العلمانية

 

الملحوظة التي اراها في كثير من المدونات و المواقع و الحوارات هو ان العلمانية هي الحاد الدولة و تشجيع الالحاد. الواقع هو ان العلمانية ليست الحاد او معاداة الدين كما اسمع كثيرا من العديد من الغيورين على دينهم مثلنا جميعا.


الفكرة في شكلها الحديث بدأت عندم كانت الكنيسة في اوروبا كانت تلعب دورا مباشر في السياسة و كانت تتحكم في الحروب و تفرض ضرائب و تؤثر في السياسات سواء مباشرة او بالضغط على الحاكم و الشعب، و كانت نتيجة ذلك العديد من الحروب بين الطوائف المسيحية و الدول التي تنتمي اليها، بل و حملات ضغط و تكفير لاتباع الطوائف المسيحية الاخرى الاقل عددا و ديانات اخرى بداخل الدول التي تتحكم فيها كنيسة تمثل الطائفة الكبرى و الرسمية و التي يتبعها الحاكم. بالطبع، ادى ذلك الى حروب ايضا بين الاديان نفسها مثل معارك بين جيوش الدول و الامارات الاسلامية و المسيحية لاسباب اغلبها دنيوي ذو ظاهر ديني، من وجهة نظري. و طبعا اشهر مثل على نتائج ذلك بجانب الحروب الصليبية هو محاكم التفتيش الكاثوليكية التي صادرت الكتب و حرقت الناس و هم احياء لاتهامهم بالهرتقة و السحر، نظرا لمحاولة الكنيسة استخدام سلتطها الدنيوية للحفاظ على المعتقدات الرسمية لها في ذلك الوقت (مثل ان الارض هي مركز الكون.)

كانت نتيجة هذه الصدامات الدينية و الحراك الديني في تلك المجتمعات و القمع المتكرر تحت مسميات دينية و الخوف من الطبيعة البشرية في حب تعلق البشر بالسلطة و افساد السلطة لعقول الناس و محاولتهم فرض ارائهم بالقوة القانوية و استبعاد الآخر، كانت هي الوصول لفكرة منع تدخل الكنيسة او اي مؤسسة دينية بصورة مباشرة في السياسة من قبل الحكام او الشعوب الغاضبة، و ترك كل انسان ليتعبد بالشكل الذي يريده، و ان تعطي الدولة مساواة لكل الناس لتمارس حياتها بالصورة التي لا تضر الغير و تحمي حرية الفكر و العقيدة للكل، و ترك الدين للكنيسة و المسجد و المعبد و دور العبادة و الكيانات الممثلة للاديان و تحويل الجدل حول المعتقدات الى جدل فكري لا تتدخل الدولة فيه لصالح طرف او بآخر الا لمنع ازدراء الاديان. و بالتالي فاذا ارادت الكنيسة التأثير على الناس او اقناعهم بشيئ فاصبح عليهم اقناعهم مباشرة و التأثير على الافراد نفسهم دون استخدام سلطة الدولة لذلك. فاذا كانت الكنيسة ترى بأن كتب جاليليو او جيوردانو برونو مثيرة للفتنة و الهرطقة و يجب اجتنابها، فاصبح عليهم اقناع الناس باجتنابها، و ليس منعها قانونيا في الدولة. اذا ارادت الكنيسة منع انواع من الموسيقى و الشعر، فاصبح عليها اقناع الناس ان يجتنبوها، دون منع قانوني لها.

اذا، بالاساس العلمانية تعني، في وصف ساذج نسبيا، عدم دمج الدين مباشرة في النظام السياسي و التشريعي للدولة و عدم تشريع قوانين تفرق بين الناس على اساس الدين او تجبر الناس على ديانة محددة او تفضل دين على دين في اي من امور الدولة او المجتمع او تستخدم الدين مباشرة لتبريرها و تمريرها، و جعل ارادة الشعب (المتأثر بدينه و كنائسه و مساجده و معابده طبعا) هي مصدر التشريع طالما هذه القوانين المشرعة لا تكسر مبادئ حرية العقيدة و المساواة و حرية الرأي و الحياة (و هي من مبادئ الليبرالية ايضا، و التي لها مقالة اخرى). اذا، فالعلماني يطلب حياد الدولة، و ليس الحادها، حتى يضمن الا يجبره احد على شيء لا يريده تحت مسمى ديني، مما قد يترتب عليه مخالفة حتى قناعاته الدينية الشخصية. و هناك فارق بسيط و لكن مهم، في رأيي، بين المسلم/المسيحي الليبرالي و المسلم/المسيحي العلماني، و سوف اتطرق في مرة اخرى، ردا على احد الاسئلة.

و يثير البعض قضية المنارات في سويسرا و قضية منع النقاب في فرنسا و تونس تحت بورقيبة و بن علي و تركيا ما قبل اردوجان و غيرها من امثلة على ما يرونه من معاداة العلمانية للدين، و بالرغم من ان العديد من هذه الامثلة سليم بنسبة ما، الا ان معناها مختلف، و الواقع ان اغلبها يمثل خروج على حياد العلمانية نفسها و حق المواطن في الحياة حسب قناعاته بنفس الصورة مثل تمرير العديد من الدول ذات الصفة الاسلامية قوانين اسائت الى سمعة الاسلام و سماحته و عدله و عظمته و ليست من الاسلام في شيئ. هذه القوانين كان وراء بعضها خوف مبالغ من الماضي العثماني و سلبيات تلك الحقبة و الاسلاميين الحاليين و الرغبة في اضعافهم شكلا (تركيا و تونس)، و حالة من الذعر لتغير ديمجرافيات الدول الاوروبية و انتشار الجريمة و بعض الجرائم و الممارسات ذات الطباع القبلية او البدائية من قبل المهاجرين ذوي الاصول غير الاوروبية بالاضافة الى التهديدات الامنية التي تعيشها اوروبا (فرنسا) اذا. بل ان اغلب السياسيين و المجالس النيابية في سويسرا على المستوى الفيدرالي/الوطنى رفضت حتى مناقشة مشاريع حظر بناء المنارات على اعتبار عدم دستوريتها و تعديها على مبدأ حرية العبادة، و ان نتيجة الاستفتاء التي وافقت على المنع (و التي تعبر بالاساس عن انزعاج الاوروبيين من العدد المهول من المهاجرين في دولهم) سيتم قلبها دستوريا قريبا على الارجح.